الوقت المقدر للقراءة 5 دقيقة

أول تجربة ناجحة لعملية زرع كلية خنزير في إنسان، وإليكم ما يعنيه ذلك.

أول تجربة ناجحة لعملية زرع كلية خنزير في إنسان، وإليكم ما يعنيه ذلك.
عدد كلمات المقال: 1,267 كلمة

يعتبر هذا الإنجاز خطوة كبيرة تجاه حل مشكلة نقص الأعضاء ولكن ما زالت هناك عقبات.

نجح الجراحون في مدينة نيويورك في زراعة كلية خنزير في مريض بشري وراقبوا التروية الدموية للعضو والتي كانت بشكل طبيعي لمدة 54 ساعة. أجريت مثل هذه العمليات في الرئيسيات غير البشرية، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها زرع كلية خنزير في جسم الإنسان ولم يرفضها الجسم على الفور. 

أعلن عن هذا الإجراء في مؤتمر صحفي في 21 أكتوبر، مما يشير إلى التقدم نحو هدف التوسع الكبير في إمدادات الأعضاء المنقذة للحياة. الملايين من المرضى حول العالم على لائحة انتظار لزراعة الأعضاء، وقد لا ينتهي الانتظار يومًا ما.

على الرغم من أن تفاصيل الإجراء لم تُراجع من قبل الباحثين ولم تُنشر في مجلة طبية، إلا أنها خطوة مهمة، كما تقول ميغان سايكس، عالمة المناعة في جامعة كولومبيا والتي لم تشارك في البحث. وأضافت: لكن هناك العديد من الخطوات التي يجب اتخاذها قبل أن يتمكن المرضى الذين على لائحة الانتظار من الحصول على واحدة من خنزير بسهولة.

فيما يلي إجابات لبعض الأسئلة الأساسية حول هذا الإنجاز.

لماذا وقع الاختيار على الخنازير؟

يقول جون سكاندلينج، اختصاصي أمراض الكلى في جامعة ستانفورد، والذي لم يشارك في هذا البحث: “لن نتمكن أبدًا من تلبية مشكلة النقص في الأعضاء البشرية”. “هناك حد لعدد أعضاء المتبرعين المتوفين الحيوية”، وعدد قليل جدًا من أعضاء المتبرعين الذين ما زالوا على قيد الحياة.

يوجد أكثر من 100000 شخص على قائمة انتظار الزرع الوطنية في الولايات المتحدة، يحتاج حوالي 90 بالمائة منهم إلى كلية. لكن في عام 2019، أُجريت أقل من 40.000 عملية زرع. يموت حوالي 17 شخصًا كل يوم أثناء انتظار العضو، وفقًا لإدارة الموارد والخدمات الصحية.

لطالما سعى العلماء إلى حل هذا النقص باستخدام أعضاء حيوانية، وهو مجال يُعرف باسم نقل الأعضاء بين الكائنات الحية. ظهرت الخنازير كمحور أساسي لهذا البحث، حيث أن أعضائها تشبه تشريحيًا الأعضاء البشرية، ويمكن تربية الحيوانات بطريقة خاضعة للتحكم بدرجة عالية

لكن مجرد زرع عضو من جنس آخر في جسم الإنسان يؤدي إلى تمرد جهاز المناعة بسبب وجود جسم غريب. عندما أجرى الباحثون مثل هذه التجارب باستخدام الرئيسيات غير البشرية في منتصف القرن العشرين، وجد العلماء أن العضو المزروع يتحول إلى اللون الأسود بسرعة. يقول سكاندلينج: “يمكنك أن ترى بوضوح أن الأعضاء كانت تفشل في تلك الأيام بسبب رد الفعل الفوري”. رد الفعل الفوري هذا، المسمى بالرفض الحاد المفرط، هو أول عقبة رئيسية أمام عملية نقل الأعضاء بين الكائنات الحية.

تغلبت الهندسة الوراثية على بعض هذه التحديات في العقود الأخيرة. تعلم العلماء أن الاستجابة المناعية العدوانية التي شوهدت بعد عملية زرع عضو غريب للخنازير تحفزها الأجسام المضادة التي تكشف عن جزيء معين من السكر يسمى ألفا-غال يتواجد بالأوعية الدموية للخنازير. إنه نفس جزيء السكر المسؤول عن بعض ردود الفعل التحسسية تجاه اللحوم الحمراء.

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ابتكر العلماء طرقًا لتعطيل جين الخنزير المسؤول عن هذا السكر. أظهرت الدراسات اللاحقة أن عند تعطيل هذا الجين يمكن زراعة الكلى والأعضاء الأخرى من الخنازير بنجاح في الرئيسيات غير البشرية، بما في ذلك قردة البابون. ولكن حتى الآن، لم يُجرى اختبار هذا النوع من الزرع على الأشخاص بنجاح. 

ماذا فعل الباحثون؟

إن إجراء عملية هي الأولى من نوعها على شخص حي يثير العديد من الأسئلة الأخلاقية. لكن في أواخر سبتمبر الماضي، وافقت عائلة امرأة ماتت دماغيًا -لكنها مازالت على قيد الحياة على جهاز التنفس الصناعي- على إجراء العملية، وفقًا لروبرت مونتغمري، الجراح في جامعة نيويورك لانجون هيلث في مدينة نيويورك، رئيس الفريق الجراحي.

كانت المرأة متبرعة بأعضائها، لكن أعضائها لم تكن مناسبة للتبرع. أعلن مونتغمري في مؤتمر صحفي في مدينة نيويورك: “أريد [الاعتراف] بمدى امتناننا لعائلة المتوفية، التي وجدت في وقت حزن عميق طريقة لمساعدة أحبائها وأدركت رغبتها في تقديم هدية للبشرية وقت وفاتها”.

قام مونتجومري وفريقه على مدار ساعتين بربط كلية من خنزير معدلة وراثيًا تفتقر إلى سكر ألفا غال في الأوعية الدموية في الجزء العلوي من ساق المريضة. ظلت الكلية خارج الجسم حتى يتمكن الفريق من تقييم وظيفتها في الوقت الفعلي. وأضاف مونتغمري: قام العلماء أيضًا بزراعة غدة التيموس للخنزير، حيث أنها يمكن أن تساعد الجهاز المناعي للتعرف على الكلى كجزء من الجسم من أجل تحسين فرص قبوله، بالإضافة إلى إعطاء الأدوية التي تثبط جهاز المناعة.

بدأت الكلية في غضون دقائق بإنتاج كميات كبيرة من البول كما أظهرت علامات أخرى على الأداء الطبيعي. استمرت مراقبة الفريق للكلى لمدة 54 ساعة ولم يروا أي علامات للرفض. قال مونتغمري: “تعمل كلية الخنازير تمامًا مثل الكلى البشرية المزروعة”. 

توقف فريق البحث عن المراقبة بعد 54 ساعة وفقًا لتوجيه من مراجعي الأخلاقيات.

ما مدى أهمية مسألة عملية الزراعة؟

بالنسبة للعلماء الذين عملوا في مجال نقل الأعضاء بين الكائنات الحية، فإن الأخبار مرحب بها وهامة ولكنها ليست مفاجئة بشكل رهيب. 

يقول بارسيا فاجفي، جراح زراعة الأعضاء في مركز يو تي ساوثويسترن الطبي في دالاس: “كنا جميعًا واثقين تمامًا من أن الرفض الحاد لن يحدث”. ويشير إلى أن كلى الخنازير من النوع المستخدم في هذا الإجراء استمرت في الرئيسيات غير البشرية لأكثر من عام.

يقول فاجفي: “لكنه لم يضف الكثير علميًا”، على الرغم من أن تفاصيل كيفية إجراء الجراحين للإجراء يمكن أن توفر صورة أوضح لكيفية استجابة الجهاز المناعي للمريض.

يوافقه الرأي بيتر كوان، عالم المناعة بجامعة ملبورن في أستراليا. “كان هذا متوقعًا تمامًا، ولكنه مع ذلك يعد جزءًا مهمًا من الأدلة لدعم الانتقال إلى التجارب السريرية لنقل الكلى بين الكائنات الحية من الخنازير إلى البشر.”

ما هي الخطوة التالية بالنسبة لهذا النوع من عمليات الزرع؟

يقول فاجيفي: البقاء على قيد الحياة لمدة 54 ساعة هو خطوة أولى حاسمة، ولكن “لا أحد يحتاج إلى كلية لمدة ثلاثة أيام فقط”. قبل أن تصبح زراعة أعضاء الخنازير سائدة، سيتعين على الباحثين إثبات أن الأعضاء يمكن أن تنجو من هجمات جهاز المناعة وتستمر لأشهر أو سنوات في جسم الإنسان.

على سبيل المثال، بمرور الوقت، يمكن أن تتعرف الخلايا التائية، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، على العضو المزروع على أنه جسم غريب وتهاجمه. يمكن أن تساعد الأدوية المثبطة للمناعة في التخفيف من هذه الأنواع من الاستجابات، على الرغم من أن الآثار الجانبية لهذه الأدوية، مثل القابلية للإصابة بالأمراض المعدية، قد يكون عبئًا كبيرًا.

يقول كازوهيكو يامادا، الجراح وعالم المناعة في جامعة كولومبيا الذي عمل على هذه الطريقة في الرئيسيات غير البشرية منذ عقود، إن تضمين غدة التيموس في الخنازير، والتي تساعد في تكوين خلايا الجهاز المناعي والأجسام المضادة، إلى جانب الكلى، قد يساعد على تقليل هذا الرفض طويل الأمد. “إنه مثل المعلم الذي يمكنه تثقيف [الجهاز المناعي] بعدم مهاجمة الكلى.”

يقول يامادا إنه سيتعين على الباحثين أيضًا إثبات أن هذا النوع من عمليات الزرع آمنة على المدى الطويل للحصول على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. على سبيل المثال، يمكن أن تحتوي أعضاء الخنازير على فيروسات قهقرية تكمن في الجينات. يستخدم بعض الباحثين تقنية تحرير الجينات كريسبر CRISPR لإزالة تلك الفيروسات لرفع مستوى الأمان.

قد تكون الخنازير قادرة على توفير أعضاء أخرى أيضًا، مثل القلب أو الكبد، على الرغم من أن الأعضاء المختلفة لديها تحدياتها الخاصة.

يقول يامادا: “لقد بدأنا العمل على هذا منذ 20 عامًا، والآن يبدو أننا نقترب من الزاوية الأخيرة ويمكننا رؤية خط النهاية”. لكنه يقول إنه لا يستطيع الجزم بالمدة التي سيستغرقها شخص ما في حاجة إلى كلية للحصول عليها بسهولة من خنزير.

هل تربية الخنازير للاستيلاء على أعضائها أمرًا أخلاقيًا؟

يثير المستقبل الذي يُحتمل أن تبدأ فيه تربية ملايين الخنازير للاستيلاء على أعضائها من أجل البشر أسئلة أخلاقية هامة. وأعلنت منظمة الناس من أجل المعاملة الأخلاقية للحيوانات، أو PETA، في بيان “الخنازير ليست قطع غيار ولا ينبغي أبدًا استخدامها على هذا النحو لمجرد أن البشر يركزون على أنفسهم بدرجة لا تسمح لهم بالتبرع بأجسادهم للمرضى اليائسين لزرع الأعضاء”. 

يجادل المدافعون عن زراعة الأعضاء بأن الفوائد المحتملة لتوسيع إمداد الأعضاء بشكل كبير تستحق أي ضرر محتمل يلحق بالخنازير.

قال مونتغمري، جراح جامعة نيويورك: “ما يقرب من نصف المرضى الذين ينتظرون عملية الزرع يمرضون بشدة أو يموتون قبل تلقيها”. “النموذج التقليدي المتمثل في أن شخصًا ما يجب أن يموت من أجل أن يعيش شخص آخر لن يواكب أبدًا معدل الإصابة المتزايد بفشل الأعضاء.”

مترجم عن: https://www.sciencenews.org/article/xenotransplantation-pig-human-kidney-transplant

نهلة سلام

صيدلانية خريجة كلية الصيدلة جامعة المنصورة-مصر 2009، حاصلة على البورد الأمريكي في العلاج الدوائي.