صفحات من كتاب الحاوي في الطب للرّازي
لا شكّ أنّه من أشهر كتب الطب في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في إسبانيا. إنّه ثاني أشهر كتاب يعالج مسائل الطب بعد القانون لابن سينا.
قرأت صفحة من هذا الكتاب النّفيس,في صفحة واحدة من الجزء الأول في أمراض الرأس, لاحظت غزارة المادّة و كثرة المصطلحات الطبيّة التي أبلاها الزمن -أي تغيّرت بسبب التقدّم الأوروبي, و اضمحلال الجهود العربية التي سايرت المعاصرة و تركت التعامل بهذه المصطلحات القديمة- و التي أجدها ذات طابع ثراتي أصيل بالتأكيد و لكن مازالت قويّة في معناها دالّة على معانيها في زمانها و في زماننا الحاضر و عجبت في ذات الوقت بالطريقة التي يشرح فيها الرّازي موضوع أمراض الرّأس و استعماله للمصطلحات,
- يذكر الفالج – الشلل النصفي- و يذكر قبله السكتة و إن كان يعني بها السكتة الدماغية ففي العصر الحديث قد وجد الطب أنّ للسكتة و الجلطة علاقة بالشلل النصفي الذي هو الفالج.
- ذكر الخدر و هو معروف و لكن الصيغة المستعملة حديثا هي تخدّر, ذكر الرعشة و المستعمل حديثا هو الرجفة و الإرتجاف , أمّا الرعشة فتستعمل لمرحلة جنسية معيّنة.
- ذكر عسر الحسّ و المستعمل اليوم هو اضطراب أو خلل الحسّ , و يعرف عسر الحسّ اليوم بأنّه نوع من الآلام المزمنة بسبب تلف في الجهاز العصبي المركزي…
- ذكر الاختلاج و هو مستعمل اصطلاحيا كما هو و يعني به انقباضات و تشجنّجات لا إرادية لمجموعة من العضلات بشكل متكرّر….و يمكن أن يكون صرعيا راجع لاضطرابات الدماغ و هو في سياق موضوع كتاب الرّازي …
- ذكر علل الحس و الحركة و يأتي مزيد في ذات الصفحة شرح مثير للمفاهيم العلمية بخصوص تشريح و وظيفة و أنواع الأعصاب….و يُرجع الرّازي فيما يذكره في ذات الكتاب أنّ العلل الحسيّة هي بسبب إصابات في الأعصاب و بطريقة تدلّ على فهم عميق مثير بالنظر إلى تاريخ تأليف الكتاب يتناول ذكر نوعين من الأعصاب الناقلة (للسيالة) الحس تكون سطحية في الجلد و نوع آخر من الأعصاب و هي الأعصاب المحرّكة التي تكون عند الأوتار العضلية…
- بذكر أسباب تعطّل عمل الأعصاب و بتعبير الكتاب بطلان فعل العصب و منها : 1-البتر في العرض البتّة أي كليّة( و الملفت أنّ البتر الطولي أو الشقّ لا يُحدث شللا…) 2- الرضّة ( ورم تمزّق نسيجي…بالمعنى المعاصر) تتبعه كلمة سدّة و هي غير مستعملة في العصر الحديث في مجال الأعصاب و لكن في العروق .. 3- ورم يصيب العصب 3- برد شديد يصيب العصب…. يجمل الرّازي فائدة في فقرة من الصفحة المذكورة بقوله:إن شقّ العصب بالطول لم ينل الأعضاء ضرر البتة أي لا يؤثّر على الحس و الحركة بها… يقول إذا حدث بطلان أي توقّف الحس و الحركة بعضو … فاقصد عند بطلان الحسّ أو الحركة إلى أهل ( أي مجموع أو اجتماع) العصب الجائي أي الذي يأتي بالسيالة ,فإن كان برد فأسخنه بالأضمدة و إن كان قد ورم فاجعل عليه المحلّلة (أي مفكّك أو مفسّخ و هو كما يحدث للرياضين حين يعمد الممرض إلى وضع كحول و دلك فهو يزيل الأورام السطحية و أظنّه المقصود هنا أو وضع ضمادات كحولية…) أشير إلى أنّ في الكتاب استعمال كلمة استرخاء و المقصود به في الكتاب توقّف جزئي أو كلّي لعمل الأعصاب- أي وهن و فتور -الناقلة أو المحرّكة بسبب الإصابات المذكورة أمّا حديثا فالمقصود بالاسترخاء ما هو ضدّ التشنج.
لم يكن القصد هو شرح الصفحة المذكورة بقدر ما كانت محاولة للفت الإنتباه إلى المشتغلين بتحقيق التراث و ربط الماضي بالمعاصرة و من جهة أخرى نحتاج إلى مختصّين لتفكيك رموز مصطلحات غير مستعملة أو خرجت من مجال الإستعمال و قد أوجد لها العرب مصطلحات أخرى ,بمعنى آخر أرى أنّه من المفيد إعادة تحقيق الكتاب من قبل مختصين في اللغة العربية و النصوص القديمة و شرح ما أُبهم و غرُب منها بالمقابل العصري لتحقيق الفائدة , أقول من قبل أطباء عارفين بتفاصيل صنعة الطب و بالعربية العلمية القديمة و الحديثة, لقد استفاد الغرب من الكتاب أيّما فائدة و لم يتأتّى لهم ذلك إلاّ بفقه و فهم ألفاظ و كلام العرب في ذلك الوقت و يبدوا اليوم أنّنا أحوج منهم إلى هذا الفهم, من الممكن أن يكون الكتاب قد اكتنز ذخائر علمية لا تظهر إلاّ بإعادة صياغة الكتاب باللّغة الحديثة فلما لا نضع معجما و مؤلّفا نجمع فيه أغرب و أقلّ المصطلحات استعمالا من كتابي ابن سينا و الرّازي. في لحظة من الإستغراق في القراءة و محاولة الفهم يحسّ القارئ أنّه مترجم و متعلّم في ذات الوقت, أؤكّد على ضرورة تحقيق و مراجعة الكتاب للرّازي الحاوي للطب و إخراجه في أبهى حلّة , تأصيلا للتراث و فهما لمرحلة الأخذ و النهل الأوروبي للكتاب و مقارنة المعارف و المفاهيم المرتبطة بتلك الفترة و تقييم التطوّر الحاصل منذ ذلك الوقت باعتباره مرحلة و فترة مفصلية و مرجعية في الطب الحديث.
مترجم، ومهتم بعلوم اللغة واللسانيات