المصطلح اللّساني بين الحداثة و التراث
بسم الله
كثيرا ما نقرأ لأساتذتنا الكرام و أهل اللسانيات العربية و هم يشرحون و يحاولون تفسير النظريات الحديثة و المذاهب المعاصرة بإعمالها على النحو العربي.
لكن الغريب في هذا الفيض من الرسائل و الكتب و الدراسات هو تبنّي مصطلحات و تطبيقات جاءت من بيئة غريبة عن اللّغة العربية بداعي الاشتراك في نفس الأسرة اللسانية أو بداعي المقارنة و المقابلة النحوية و غيرها.
و لعلّ المتتبّع يلحظ أنّ أبرز هذه الكلمات أو المصطلحات هو ” التحليل” و منه ” التحليل النحوي” ” تحليل النّص” و تليها كلمة ” وظيفة” و منها ” الوظيفة النحوية” و ” النحو الوظيفي” و غيرها.
و بالرجوع إلى كتب الغرب و مناهجهم التعليمية و التنظيرية فإنّ كلمة ” التحليل” أو ” الوظيفة” هي من صلب لسانهم و هي و من أساسيات لغتهم و تجري على قواعدهم تأصيلا و اصطلاحا.
لكنّ الغريب أن يتبنّى مختصّونا و أساتذتنا فيجرون هذه المصطلحات على النحو العربي و يوظّفونها في التعليم و التقعيد فهذا ما يدعو إلى وقفة نقدية و تنبيهية و لما لا تكون وقفة تصحيحية.
انظروا مثلا عندما يأتي طالب في اللسانيات فيقول في مذكّرته في باب المستوى الوظيفي نقلا عن أستاذ – دون ذكر الأسماء- و الذي بدوره نقلها عن أحدث النظريات اللسانية, فيقول : الموضوع و المحمول , نقف عند هذين المصطلحين اللذين وجدتهما أثناء بحثي الذي أسميته: المقابلة اللغوية (النحوية) مع قواعد النحو الفرنسي تحديدا حيث يتحدّثون عن Le thème / le sujet و تقابلهما معنا كلمتا : الموضوع و المحمول, و الأدهى من ذلك أن يوغل و للأسف الباحثون فيقحمون كلمة نواة الكلام أو الجملة و التي جاءوا بها من النحو الغربي :
Le noyau .
و زادوا مصطلحات أخرى منها الوظيفة الكلامية و مثالها : التمنّي و الر جاء مع أنّها في النحو العربي من أقسام الأسلوب الإنشائي و غيرها ممّا عجّت به كتب الباحثين و الطلاّب.
و هذا خرق واضح و تعطيل لمصطلحات النحو العربي.
و لكي لا أطيل عليكم- لأنّه اجتمع لدي منذ مدّة حين كنت أجري كما أسلفت مقابلة قواعد النحو العربي بقواعد النحو الفرنسي و الإنجليزي-فأريد أن أنبّه بمثال واحد عمّا أنا بصدد نقذه:
* مصطلح ” التحليل النحوي” في قواعد النحو الفرنسي والإنجليزي و لغات أخرى يقابله الإعراب في العربية مع بعض الفروق الجوهرية و أهمّها الحركات الظّاهرة و المقدّرة و عليه فإنّ التحليل النّحوي يقابله الإعراب في العربية. و الوظيفة هي حكم الكلمة و عملها في الجملة كقولنا وظيفة فاعل و مفعول و ظرف زمان…
الخلاصة هي أنّنا تبنّينا مصطلحات لقواعد النحو الغربي و أهملنا مصطلحات النحو العربي.
مترجم، ومهتم بعلوم اللغة واللسانيات