التَلـوُث وتَأثيـرُه عَلى الصِّحَـة النَّفسيـَّة/ العَـقليـَّة
بات الانتشار المتزايد للاضطرابات النفسية مشكلة عالمية تؤثر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم كل عام.
ولقد تقدم البحث النفسي جنبًا إلى جنب مع هذا، مما يعني أنه تم تحديد العديد من العوامل البيولوجية المساهمة في حدوث اضطرابات نفسية معينة. ومع ذلك، فشلت الدراسات الجينية في تفسير التباين الظاهري تمامًا، مما دفع البعض إلى القول بأن انتشار الاضطرابات مرتبط بعوامل كيميائية عصبية، جينية وبيئية مثل التلوث.
ما هي الصحة النفسية؟
الصحة النفسية، التي حددتها منظمة الصحة العالمية، هي “حالة من الرفاهية يدرك فيها الأفراد قدراتهم، ويمكنهم التعامل مع ضغوط الحياة العادية، والعمل بشكل منتج ومثمر، والمساهمة في رقي المجتمع سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا”.
كما وتركز منظمة الصحة العالمية بشكل خاص على حقيقة أنه لا ينبغي النظر إلى الصحة النفسية على أنها مجرد فردٍ خالٍ من الاضطرابات النفسية.
التلوث والصحة النفسية/ العقلية
ناقش عددٌ متزايدٌ من الأدبيات الصلةَ المحتملة بين التلوث البيئي وزيادة خطر الإصابة باضطرابات نفسية.
فقد قام باحثون من الولايات المتحدة والدنمارك باستطلاع تأثير التعرض للتلوث وانتشار الاضطرابات النفسية. واستُخدمَت الدراسات القائمة على الملاحظة في كل منهما، وتضمنت تحليل العوامل البيئية مثل تلوث الهواء وعلاج الاضطرابات النفسية.
وعلى وجه التحديد، قام الباحثون بجمع معلومات التأمين في الفترة المُمتدة بين عامي 2003 و2013 لعددٍ بلغ 151 مليون شخص في الولايات المتحدة و 1.4 مليون شخص في الدنمارك وذلك لحساب عدد الأشخاص الذين تم تشخيصهم بكلٍ من الفصام، والاضطراب ثنائي القطب، واضطراب الشخصية، ومرض باركنسون، والاكتئاب الكبير (الشديد) و الصرع في كل منطقة.
تم تحليل المعلومات المتعلقة بالمُناخ ومتوسط الراتب والخلفية العِرْقِية للسكان والكثافة السكانية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية الأخرى لتحديد ما إذا كان أي من العوامل مرتبطًا بزيادة أو انخفاض معدل انتشار كل اضطراب نفسي.
وتبيَّن أن مواطني الدنمارك الذين عاشوا في مناطق شديدة التلوث خلال السنوات العشر الأولى من حياتهم كانوا أكثر عُرضةً للإصابة بالفُصام، والاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، واضطرابات الشخصية. أما في الولايات المتحدة، فقد ارتبطت المناطق شديدة التلوث بالهواء بارتفاع معدل انتشار الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب مقارنةً بالمناطق الأقل تلوثًا.
من المهم ملاحظة أنه على الرغم من الارتباط الملحوظ بين اضطرابات الصحة النفسية/ العقلية وتلوث الهواء، إلا أنَّ السبب المباشر لم يثبُت بعد. ونظرًا لطبيعة الدراسة، قد يكون هناك مجموعة متنوعة من العوامل المساهمة المؤثرة الأخرى التي لم يتم أخذها في الاعتبار.
علاوة على ذلك، كان على الباحثين رسم افتراضات حول التعرض البيئي للسكان بناءً على عناوينهم البريدية. لذلك، لم يتمكن الباحثون من ملاحظة سموم بيئية مُحددة وعوامل مؤثرة أخرى.
ولاحظ البحث التكميلي وجود روابط بين هواء المناطق المأهولة وخطورة مشاكل الصحة النفسية/ العقلية عند الأطفال.
وقاد باحثون من قسم الإحصاء الحيوي وعلم الأوبئة في المركز الطبي لمستشفى الأطفال في سينسيناتي، بحثًا يتحرى آثارَ التعرض قصير المدى لتلوث الهواء على شدة أو خطورة الاضطرابات النفسية في الأطفال.
واكتشف الباحثون أنَّ التعرض قصير المدى لـ PM2.5 (**جسيمات مجهرية يصل عرضها إلى 2.5 ميكرون ويقل قُطرها 30 مرة عن قُطر شعرة الإنسان، عندما ترتفع مستوياتها، تُشكل هذه الجسيمات ضبابًا في الجو، وتدخل إلى الجهاز التنفسي للإنسان وتنفذ إلى رئتيه**) مرتبط ٌبتفاقم الاضطرابات النفسية للأطفال في مدة تتراوح من يوم إلى يومين بعد التعرض. وقد تَجَّلى ذلك في زيادة عدد الزيارات إلى قسم طوارئ الأطفال بسبب مخاوف بشأن اضطراباتهم النفسية.
وتشمل النتائج الملحوظة الإضافية أنَّ الأطفال الذين يقيمون في المناطق البائسة يُعَّدُون أكثر عرضة لخطر التعرض لتأثيرات تلوث الهواء مقارنةً بالأطفال المقيمين في الأحياء الميسورة. وكان هذا وثيق الصلة بشكلٍ خاصٍ باضطرابات القلق والانتحار.
وحدد البحث الذي أجراه نفس القسم وجود صلةٍ محتملةٍ بين التلوث والقلق. وعلى وجه التحديد، وجد الباحثون أن التعرض القريب العَهْد للهواء ذي الصلة بحركة المرور مرتبطٌ بزيادة القلق العام.
هذا وقد تضمن البحث تحليل التصوير بالرنين المغناطيسي للأطفال مع النظر بشكل خاص في انتشار ميو- إينوزيتول، وهو مُستَقْـلب موجود في الخلايا الدبقية. بعد التعرض لمستويات عالية من التعرض للهواء ذي الصلة بحركة المرور، لاحظ الباحثون زيادة كبيرة في تركيز ميو- إينوزيتول. كما تم ربط المستويات العالية من المُسْتَقلب بزيادة أعراض القلق العام.
** إضافات وُضعت بمعرفة المترجم لإيضاح الفكرة.
*** رابط المقال الأصلي: https://www.news-medical.net/health/Pollution-and-Mental-Health.aspx#1
خريج كلية الصيدلة – جامعة الأزهر/ غزة سنة 2006، مارس العمل في عدة صيدليات خاصة، ثم اتجه إلى ممارسة الترجمة الطبية والعلمية، تعاون مع عدة مراكز ودور نشر وشركات للترجمة.