رحلة البحث عن علاج فعال مضاد لكوفيد 19
ينتشر كوفيد 19 بسرعة في أوروبا وأمريكا الشمالية، لكننا نفتقر إلى الطرق المستهدفة للسيطرة على تفشي ذلك الوباء الخطير، وطرق علاج المرضى بشكل فعال. فنحن نعتمد على الحجر الصحي والعزل وإجراءات مكافحة العدوى لمنع انتشار المرض وتوفير العلاج الداعم للمصابين. لكننا نفتقر إلى أدوية مضادة للفيروسات محددة لعلاج المصابين، حيث أن هذه الأدوية هي الأفضل للحد من تناثر الفيروس وانتقاله فيما بعد.
أحد هذه الأدوية المرشحة مزيج من مثبطات فيروس العوز المناعي البشري “الإيدز” لوبينافير وريتونافير. حيث يعمل لوبينافير على تثبيط البروتياز الفيروسي 3Cl، كما أن له تأثير مضاد بسيط للسارس- كوفيد 2. فاستخدامه مع ريتونافير يمكن أن يزيد من التوافر البيولوجي للدواء. هناك تجارب سريرية تقوم بتجربة الجمع بين هذين الدواءين والدواء المعدل المناعي إِنترفيرون بيتا-1ب، لعلاج فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS(ClinicalTrials.gov number, NCT02845843)ونظرا لتوافر اللوبينافير والريتونافير بكميات كافية ويمكن إنتاجهما على نطاق واسع، لذا فهما مناسبان بشكل خاص، ويمكن وصفهما كعلاج على الفور. في الواقع، هناك العديد من تقارير حالات متعددة وتقارير سلسلة من الحالات التي توضح استخدام هذين الدواءين في علاج كوفيد 19. ولكن هل هذه الطريقة فعالة؟
دفع هذا السؤال “تساو بين” وزملائه إلى إجراء تجربة سريرية عشوائية عاجلة في ووهان -بؤرة تفشي الوباء في الصين- بهدف تقييم فعالية استخدام لوبينافير مع ريتونافير في علاج المرضى المصابين بكوفيد 19. في 18 يناير، تم تسجيل خوض أول مريض في هذه التجربة المفتوحة التسمية بعد حوالي أسبوع من تحديد سارس –كوفيد 2 وتسلسله. اختار الباحثون المرضى التاليين للتسجيل في التجربة: أولئك الذين كان لديهم تشبع الأكسجين بنسبة 94 ٪ أو أقل أثناء تنفسهم للهواء المحيط، أو كانت نسبة الضغط الجزئي للأكسجين إلى تركيز الأكسجين المستنشق أقل من 300 ملم زئبقي، والمرضى الذين يتلقون دعم تنفس من مجموعة أشكال التنفس الميكانيكية تتراوح بين الدعم بعدم التنفس إلى التنفس الميكانيكي أو أكسجة الأغشية خارج الجسم “الإكيمو” (ECMO). وتم تصنيف المرضى المسجلين حسب شدة المرض، كما تم الحكم على شدة المرض حسب مستوى دعم التنفس. فتلقى جميع المرضى العلاج المعياري، وتم اختيار نصفهم بشكل عشوائي لتلقي لعلاج باللوبينافير والريتونافير لمدة 14 يومًا. وكانت النقطة النهائية الأولية هي الوقت المناسب لتحسين الأعراض السريرية، والذي تم تعريفه على أنه الوقت منذ الاختيار العشوائي إلى الخروج من المستشفى، أو وقت تحسين الحالة وفقًا لمجموعة متعددة من المعايير المحددة، أيهما يحدث أولاً. وكان من المخطط تسجيل 160 مريضا لخوض هذه التجربة.
لقد كان هذا جهدًا بطوليًا، فخلال تفشي هذا الوباء على نطاق واسع، كان الطاقم الطبي في هوبي أكثر الفئات المعرضة للإصابة من أجل رعاية المرضى. كما لاحظنا خلال تفشي حمى الإيبولا النزفية في غرب أفريقيا عام 2014، كان من الصعب جدًا الحصول على بيانات التجارب السريرية عالية الجودة لتوجيه علاج المرضى أثناء مواجهة تفشي هذا الوباء، كما تم التشكيك في جدوى المخططات العشوائية. ومع ذلك، لم يصر فريق بحث “تساو بين” أن ينجح فحسب، بل انتهى به الأمر إلى تسجيل عدد أكبر من المرضى (199) مما تم استهدافه في الأصل.
لسوء الحظ، كانت نتائج التجربة مخيبة للآمال، ولم يُلاحظ أي فائدة في النقطة النهائية الأولية لتحسن الأعراض السريرية، حيث كان متوسط الوقت لكلا المجموعتين 16 يومًا. إلا أن نتائج بعض النقاط الثانوية كانت مثيرة للاهتمام. حيث تم ملاحظة أن عدد الوفيات في المجموعة التي تلقت العلاج باللوبينافير والريتونافير كان أقل قليلا، ولكن نظرًا لقلة عدد المرضى، وأن المرضى الذين تلقوا العلاج المعياري في الأساس كانوا أكثر مرضًا، لذا يصعب تفسير هذه الملاحظة. حيث كانت النتائج مشجعة بعد استبعاد الوفيات في المجموعة التي تلقت العلاج باللوبينافير والريتونافير بعد التوزيع العشوائي وقبل إعطاءهم الجرعة الأولى، إلا أن هذا التغيير قابل للنقاش، حيث لم يتم استبعاد الوفيات في المجموعة الضابطة. من ناحية أخرى، كانت هذه التجربة مفتوحة التسمية، وبما أن الأطباء الذين كانوا على دراية بالعلاج سيقيمون النقاط النهائية للدراسة أو قد يؤثرون عليها، لذا فهي عرضة للتحيز. والشيء المهم الذي يجب ملاحظته هو أن هناك عدم تجانس في كلا المجموعتين، وتلقى المرضى في كلا المجموعتين مجموعة متنوعة من العلاجات الأخرى، بما في ذلك الأدوية الأخرى مثل الإنترفيرون (11 ٪) و القشرانيات السكرية (34 ٪).
قدمت النقاط النهائية الثانوية سببًا للأمل وسببًا للإحباط. حيث كان عدد الوفيات أقل إلى حد ما في المجموعة التي تلقت العلاج باللوبينافيروالريتونافير. لكن من الواضح أنه لم يكن هناك تأثير ملحوظ على تناثر الفيروس. نظرًا لأنه من المفترض أن يعمل الدواء كمثبط مباشر للتكاثر الفيروسي، لكن أشارت عدم قدرته على تقليل الحمل الفيروسي والكشف المستمر الإيجابي عن الحمض النووي الفيروسي بقوة إلى أن الدواء ليس لديه الفعالية المطلوبة. لذلك، على الرغم من أن هذه الأدوية قد يكون لها تأثير معين، لكن من الصعب ملاحظته.
لماذا لم يكن العلاج باللوبينافيروريتونافير أكثر فعالية؟ قد يكون هناك عاملين رئيسيين في دورهما. أولاً، اختار المؤلفون مرضى يمثلون تحديًا خاصًا. حيث كان المرضى المسجلون في هذه الدراسة في المراحل المتأخرة من العدوى، وكان لديهم بالفعل تلف شديد في الأنسجة إلى حد ما (اتضح أن المجموعة الضابطة تعاني من خلل في وظائف الرئة ومعدل الوفيات بها بنسبة 25 ٪ ). حتى الأدوية المضادة للبكتيريا عالية المفعول كانت فعاليتها محدودة في الالتهاب الرئوي البكتيري المتقدم. ثانيا، لم يكن لوبينافير دواءً قويًا ضد سارس-كوفيد2. ومقارنة بتركيز البلازما للمرضى الذين تلقوا العلاج بالوبينافيروريتونافير، فإن التركيز المطلوب للوبينافير لتثبيط التكاثر الفيروسي مرتفع نسبياً. ونحن لا نعلم حاليًا سوى القليل عن تركيزات الأدوية في أنسجة المرضى التي تكاثر بها سارس-كوفيد2. بدأت هذه التجربة في غضون أيام قليلة من التعرف على الفيروس، وكان تطوير ونشر طرق اختبار الكشف عن الإصابة بالفيروس سريعًا جدًا، مما يعني أن خصائص طرق اختبار الكشف لم يتم تحديدها بالكامل. وتجدر الإشارة إلى أنه من بين المرضى الذين كانت نتيجة اختبارهم موجبة لمرض سارس –كوفيد2 عن طريق فحص مسحة البلعوم الأنفي 35 ٪ منهم كانت نتيجة اختبارهم من مسحة البلعوم في اليوم الأول من المتابعة سالبة. هل هذا بسبب الاختلافات في موقع التقييم، ووقت المرض، وطرق اختبار الكشف، أم أنه ناتج عن التطور الطبيعي للمرض؟ بالإضافة إلى ذلك، كانت نتيجة اختبار 42 ٪ من المرضى حاملي عدوى الفيروس موجبة في اليوم الثامن والعشرين، ولكن نتائج الاختبار الكمية في ذلك الوقت أظهرت أن مستوى الفيروس كان منخفضًا، ربما يكون قد اقترب من عتبة الاختبار. بما أن هناك اختبارا يكشف عن الحمض النووي، فإن نتائج اختبار المرضى الموجبة لا تشير بالضرورة إلى تناثر فيروس معدٍ. وتشير هذه البيانات إلى أن تقييم قدرة المرضى المصابين بأمراض شديدة على التنقل بعد التعافي سيكون القضية الأساسية في السيطرة على انتشار الفيروس.
على الرغم من حقيقة العلاج بالوبينافير وريتونافير ليس فعالا على المرضى الذين يعانون من كوفيد 19، إلا أن هذه الدراسة لا تزال لديها العديد من القيم الهامة. حيث أعطى الباحثون الأولوية للسرعة بشكل مناسب، فقاموا بإجراء تجربة يمكن أن تؤدي إلى إجابة سريعة. فما تعلمناه منهم سيساعد في اجراء تجارب جديدة. ومن الواضح أنه من الممكن البدء بسرعة في تجارب سريرية عشوائية عالية الجودة أثناء تفشي الوباء، حتى وإن كانت في ظل الظروف الصعبة التي سادت في ووهان. ونظرًا لاستمرار تفشي وباء الفيروس التاجي الخطير، فسواء كانت هذه التجارب موجبة مقنعة أو سلبة مقنعة، إلا أنها ستكون حاسمة في التشخيص والعلاج السريري.
المصدر باللغة الصينية:https://nejmqianyan.cn/article/YXQYe2005477
المصدر باللغة الإنجليزية:https://www.nejm.org/doi/full/10.1056/NEJMe2005477
تمت الترجمة من اللغة الصينية إلى اللغة العربية مباشرة والمراجعة وتدقيق الترجمة لفريق العلوم الطبية باللغة العربية
ترجمة: أمنية شكري،
تم تحديث المقال في 6 نوفمبر 2020
أمنية شكري توفيق، مصرية، حاصلة على الماجستير تخصص ترجمة المصطلحات طبية بكلية الألسن جامعة عين شمس، حصلت على الليسانس 2012، حاصلة على دبلومة في الترجمة التحريرية