هَل يَخْتِلـف جِهَـاز المَّنَـاعَـة فـي الرِّجِـال عَنْـه فـي النِّسَـاء؟
كَثيرًا ما أظهَرتْ الأبْحاثُ وبشَكلٍ مُتَّكَرِّرٍ أنَّ لدَّى النِّسَاء اسْتجَابةٌ مَنَاعيَّةٌ أقْوَى للعَدْوَى من الرِّجِال. أوضَحتْ الدِّراسَاتُ التِي تَعودُ إلى الأرْبعينيَّاتِ من القَرنِ المَّاضي أنَّ المَرأةَ تمَتَلكُ قُدرةً مُعَزَزةً على إنْتِاجَ الأجْسَام المُضَّادَة.
وعلى الرُّغمِ منْ أنَّ هَذا يُشَّكِلُ حَاجزًا فعَّالًا للمُقاومة للعَدْوى، فإنَّ النِّسَاء أكثرُ استعدادًا لحُدُوث أمْراضِ المَّنَاعَة الذَّاتيَّة الناجِمَة عن الاسْتَجَابة المَّنَاعيَّة المُفْرطَة. من المُمْكِن أنْ يَنْشَأ الاختلافُ بين جهَاز المَّنَاعَة لدى الرِّجِال والنِّسَاء بِسَّببِ الهُرْمُونَات الجِنْسِيَّة والعَوامِل البِيئيَّـة.
جِين مُعَقَّدُ (مُرَّكَب) التَّوافُقِ النَّسيجِيِّ الكَبير(MHC)
إنَّ الاسْتجابةَ المَّنَاعيَّة الأقْوى ليْسَتْ مُفيدةً في جمَيعِ الحَالات، كوْنَها تَضَّع النِّسَاء في مَوَاقِفَ أكثر عُرضًةً للإصَّابة بالباثُولُوجيـا المَّنَاعيَّة (أمْرَاضِ المَّنَاعَة) مثل أمراض المَّنَاعَة الذَّاتيَّة. وقدْ تَمَّ رَبطُ هَذا بمُكوَّنَـاتِ الاسْتِجَابة المَّنَاعيَّة مِثلُ المُتَغَايِرَات الجِّينِيَّـة (المُوَرَّثِيَّة) المُحَّدَدَة لمُرَّكَبِ التَّوافُقِ النَّسيجِيِّ الكَبير(MHC).
يَتَكوَّنُ مُرَّكَبُ التَّوافُقِ النَّسيجِيِّ الكَبير (MHC) من جُزَيْئاَتٍ يتم تَرْمُيزهَا بوَاسِطة مجَمُوعَةٍ من الجِّينات مُتَّعَدِّدَة الأشْكَالِ بِدَرَجَةٍ مُرتَفِعةٍ. يُمَّثِلُ مُعَقَّدُ التَّوافُقِ لمُرَّكَبِ النَّسيجِيِّ الكَبير جُزْءًا جَوهَرِيًّا لعَمَليَّة الاستجابة المَّنَاعيَّة التَلاؤُمِيَّة (التَكَيُّفيَّة). إنَّ التَبَايُّنَ الكَبيرَ للمُتَغَايِرَات الجِّينِيَّة (المُوَرَّثِيَّة) لمُرَّكَبِ التَّوافُقِ النَّسيجِيِّ الكَبير مُفَيدٌ. افتَرضَتْ دراسةٌ أجْرِيَتْ في جَامِعة لُونْد أنَّ الاخْتِلافَاتِ بين الجِنْسَيْن في أجهزة المَّنَاعَة مُرتبطةُ بمُستَويَات تَنَوُّع (تّعَّدُدْ) لجِينَات مُعَقَّدُ التَّوافُقِ النَّسيجِيِّ الكَبير.
التَّحَيُّـز (الانْحِيَّاز) الجنسي في مُعَّدَلاتِ انْتِشَار الرَّبو
يَتَميَّز الرَّبو بازْدِواجَِّ الشكلِ الجِّنسِي الذِي يَتَغيَّر طُوالَ الحَياة. في الأطفَال، هُناكَ زيَادةٌ في انْتِشَار الرَّبْو بين الأوْلادِ مُقَارنةً بالفَتيَّات. ومَعْ ذَلك، وفي الفَتْرَة حَولِ سِّن البُلوغ، يَتَغيَّرُ هَذا الاتِّجَاه (هَذه النَّزْعَة) ممِّا يُؤدِّي إلى ارتِفَاع مُعدَّل الإصَابَة بالرَّبو لدَى الفَتَيات. يُشِيرُ هَذا التَّغييرُ إلى أنَّ الهُرْمُونَات الجِنْسِيَّة تَضَّلِعُ بِدَورٍ رئيسيِّ في التَّسَبُبِ في إمْرَاضِ (السَّبَبِ المَّرَضِّي لحُدُوثِ) الرَّبْو.
تُنَّظِمُ العَديدُ من عَوامِل الفُيزْيُولوجْيَا المَّرضيَّة للرَّبْو، وتَشْمَلُ الوِّرَاثيَّاتُ (التَّرْكيبُ الوِراثِّي) والبِيئَةُ وآليِّاتُ الجِّهَازِ التَّنَفُسِي والهُرْمُونَات الجِنْسِيَّة والسُّمْنَة. يُعَّدُ فَهْـمُ الفُروقُ بَينَ الجِنْسَيْن وتَنْظيمِ الهُرْمُونَات الجِنْسِيَّة أمْرًا بَالغَ الأهَميَّة.
التِهَاب الكَبِد C/B
التِهَاب الكَبِد B هو عَدْوَى في الكَبِد يُسَّببُه فَيرُوس يَحمِله الدَّمُ وسَوائِلِ الجِّسْم. يُعَّدُ التِهَاب الكَبِد B والتِهَاب الكَبِد C أكثَرَ شُيوعًا في المَرضَى الذُّكُور منه لدَى النِّسَاء. وتَمِيلُ (تَنْزِعُ) الإناثُ الحَامِلاتُ للالتِهَاب الكَبِدي B إلى وُجُود حِمْلٍ فَيْرُوسيِّ ( (Viral loadأقَّل مِنْ نُظرَائِّهنَّ مِنْ الذُّكُور.
هُناك تَبَـايُنَـاتٍ في إمْراضِ (التَّسُبَّب في) الأمْراضِ المُعْديَّة نَنْشَأعَنْ الاخْتِلافَات بَينِ الجِنْسَيْن. تَميلُ النِّسَاء إلى أنْ يَكونَ لدَّيْهَّنَ اسْتِجَابةٍ مَنَاعِيَّةٍ خَلَوِيٌّةٍ وخِلطِيَّة فِطرِيَّة أكْثرَ حِدَّةٍ نَحْوَ اللِقَاحَات والعَدَاوَى من الرِّجِال.
تؤثر الهُرْمُونَات الجِنْسِيَّة عَلى الاسْتِجَابَات المَّنَاعيَّة للفَيْروسَات من خِلالِ الارْتِبَاطِ بمُسْتَقْبِلاتِ الهُرمُونِ المُعَّبَرِ عَنهَا في الخَلايَا المَّنَاعيَّة. فَفِي حِينِ أنَّ هُرمُونَ الإسْتُروجِينِ لهُ تَأثيرٌ مُحَّفِـــزٌ للمَّنَاعَة، فإنَّ الأنْدْرُوجِينَات لهَا تَأثِيراتٌ مُثَّبِطَة لهَا.
تُعَّد الأنْدْرُوجِينَات هُرمُوناتٍ مُرتَبطةً بخَلاّت (صِّفَات) الذُّكُور والنَّشَاطِ الإنْجِابي. تَتَفَاعَلُ الأنْدْرُوجِينَات مَع مَجِين (جِينُوم )التِهَاب الكَبِد B. تُسَاعدُ مُسْتَقْبِلاتُ الإسْتُروجِينِ والإسْتَرَادَيُول عَلى حِمَايَّة خَلايا الكَبِد مِن التَلفِ الالتِهَابي، والاسْتمِاتَة الخَلويَّة التِي تُؤدِّي إلى التليُّف والتَغَيُّرَاتِ التِي تَسْبقُ حُدُوثَ التِهَاب الكَبِد C. ورُبِطَ انْخفَاضُ مُسْتَقْبِلاتِ هُرمُونِ الإسْتُروجِينِ بالنَتَائجِ الأسْوأ لالتِهَابِ الكَبِد في الرِّجَال. يُسَاهِم العَملُ المُشترَك للهُرمُونَات الجِّنسيَّة الذَّكريَّة والأنْثَويَّة المَقْرُونَة بالعَواملِ الفَيْروسيَّة في طبيعَةِ آليَّاتِ الفُروقِ بين الجِنْسَيْن في تَحديدِ حَجمِ أثَر الإصَابَة بعَدْوَى التِهَاب الكَبِد وتَطوُّرهَا في نِهايَة المَطَاف.
صِّبْغِي (كرُومُوسُوم) X وارتباطه بأمراض المَّنَاعَة الذَّاتيَّة
على الرُّغم مِن أنَّ النِّسَاء أقلُّ عُرضةً للإصَابَة ببَعضِ الأمْراضِ المُعْديةِ من الرِّجِال، إلا أنَّهُنَّ أكثرَ عُرْضَةً للإَصابة بأمْراضِ المَّنَاعَة الذَّاتيَّة مِثلُ قُصُورُ الدَّرَقِيَّة و الْتِهابُ المَفْاصِلِ الرُّوْمَاتويْدِيّ. لقَدْ أشَارتِ درَاسةٌ حَديثةٌ أجْرَاهَا بَاحثُون في جَامعَـة كاليفُورنيـَا في لُوس أنْجْلوس عَلى الفِئْران إلى أنَّ سَبَبَ ارتِفَـاع مُعدَّلِ الإصَابَة بأمْـراضِ المَّنَاعَة الذَّاتيَّة لدَّى النِّسَاء هُـو جِيـنُ يُدْعَى (دِيمِيثَيْلاز الليْسِيـن النَّوْعِـي 6a) وهُو عِبـارَة عَن بُروتيـن يُرَّمَـز في البَشَـر بالجِيـنِ Kda (Kdm6a gene) ويَتِمُ التَّعْبيرُ عَنهُ بِشَكلٍ أكبرٍ في الخَلايَا المَّنَاعيَّة للمَرأة.
ففِي هَذه التَّجْربة، تمَّ تَربيةُ الفِئْرانِ لتَّطويرِ مَرضٍ مِثلَ التَصَلُّبٌ المُتَعَدِّد (MS). تَكونُ النِّسَاء أكْثرَ عُرضةٍ للإَصابة بدَّاء التَصَلُّبٌ المُتَعَدِّد من الرِّجِال بثَلاثِ مَرَّات في البَشَر. أشَارَ بحْثٌ سَابقٌ أنَّ وُجُود اثْنينَ من الكُرومُوسُومات X يُمْكنُ أنْ يُفسِّرَ هَذا الاخْتِلاف في جِهَاز المَّنَاعَة بَيْنَ النِّسَاء والرِّجِال.
ولتَحْديدِ الجِّيناتِ التِي يَتمُ التَّعبيرُ عَنهَا بشَكلٍ مُتَّكرر في الخَلايا التَّائيَّة من الخَلايَا المَّنَاعيَّة للمَرأة، قَامَ البَاحثُون بسَلْسَلَةِ الحِمْضُ النَّوَّوِيِّ الرِّيْبِيِّ للفِئْرانِ الإنَاثِ والذُّكور، و لُكِلٍ مِنْ 205 رَجلٍ و294 امْرأة. أظهَرتْ الفِئْرانُ التِي تَمَ تَرْبيَتُها بدُونِ جِين Kdm6a أعْراضًا أقلَّ لدَّاءِ التَصَلُّبٌ المُتَعَدِّد وانْخَفَاضًا لنِشَاطِ المَّنَاعَة الذَّاتيَّة في الخَلايَا النُّخَاعيَّة (الشَّوْكِيَّة) وعددًا أكبرَ من المَحَاويرِ السَّليمَة.
بالإضَافةِ إلى تَغيُّراتٍ جُزيْئيَّةٍ بَارزةٍ حَدثَت بَعدَ حَذفِ الجِينِ أيْضًا. تَضَّمنَتْ هَذهِ التَغيُّراتِ زِيَادةَ نَشَاطِ الجِينَات المُشَارِكة في الاسْتِجَابَة المَّنَاعيَّة السَّليمَة، وتَقْليلِ نَشَاطِ الجِينَات المَسْؤُولة عَن حُدُوثِ الالتِهَاب العَصَبِي.
تساهِمُ نتائجُ هَذه الدِّراسَة في تَفْسيرِ سَببِ كَوْنِ الإنِّاثِ أكثرَ عُرضةً للإصَابة بأمْراضِ المَّنَاعَة الذَّاتيَّة، وتُشيرُ إلى أنَّ تَعْديلَ نَشَاطِ (Kdm6a) في الخَلايَا التَّائيَّة قَدْ يَكونُ هَدفًا عِلاجيًا مُحْتمَلاً لدَّاءِ التَصَلُّبٌ المُتَعَدِّد وأمْراضِ المَّنَاعَة الذَّاتيَّة الأخْرَى. كمَا وتُلَّمِحُ أيضًا إلى أنَّ عَقَاقيرَ مثل الميتْفُورْمين (Metformin)، وهُو دَواءٌ يُسْتَخدَم لمُعَالجَة الدَّاء السُّكرِي قّدْ أبْدَى فَعَاليَّةً في التَّغْييرِ مِنْ نِشَاط بُروتِين (Kdm6a)، قَدْ يَسْتحِقُ مزيدًا من الدِّراسَة كَذلكْ.
المُلاحَظــات الخِتَاميَّــة
يَختلفُ الرِّجِال والنِّسَاء في جَوانبَ عَديدةٍ تَتَراوحُ بينَ البَيُّولوجِيَّة والهُرْمُونيَّة والفِيزْيُّولوجيَّة والنَّفْسِّية. تَمَّ إيلاءُ المَزيدَ مِنَ الاهْتمِامِ للاخْتِلافَـات بينَ الجِنْسَيْن في الجِّهَاز المَنَّاعي للرِّجَال والنِّسَاء في الآوِنَة الأخِيرَة .
أظهَرتِ الأبْحاثُ وُجُودَ اخْتِلافَاتٍ في انْتِشَار أمْراضٍ مثلَ الرَّبو والتِهَاب الكَبِد. وثَمَّة دَليلٍ عَلى وُجُود اخْتلافاتٍ جِينيَّةٍ في التَّعبيرِ عَنِ الخَلايَا المَّنَاعيَّة بيْنَ النِّسَاء والرِّجِال أيضًا.
يُمكنُ أنْ يُؤَدِّي الفَهمَ الأكْثرَ شُمولاً للتَّفَاعل بيْنَ الهُرْمُونَات الجِنْسِيَّة واسْتَجَابَات الجِّهَاز المَّناعِي إلى تَطويرِ تَدَّخُلاتٍ عِلاجيةٍ جَديدةٍ وأكثرَ فَعَاليةٍ وتَدْبيرِ الأمْراضِ المُتَوَاسَطةِ بالمَّنَاعَة (الأمْرَاض المَّنَاعيَّة).
** رَابِطُ الَمقَال الأصْلِي: https://www.news-medical.net/health/Does-the-Immune-System-Differ-between-Men-and-Women.aspx
خريج كلية الصيدلة – جامعة الأزهر/ غزة سنة 2006، مارس العمل في عدة صيدليات خاصة، ثم اتجه إلى ممارسة الترجمة الطبية والعلمية، تعاون مع عدة مراكز ودور نشر وشركات للترجمة.