الوقت المقدر للقراءة 6 دقيقة

دور اختبار السرير المائل في تشخيص وتدبير الغشي

دور اختبار السرير المائل في تشخيص وتدبير الغشي
عدد كلمات المقال: 1,429 كلمة

كاتبة المقال: البروفيسور المشارك إيانا سيموفا
قسم تصوير القلب والأوعية غير التداخلي، مستشفى القلب الوطني، صوفيا، بلغاريا
لا يوجد لدى المؤلفة تضارب في المصالح يستدعي الإفصاح
تاريخ النشر الأصلي 10 نوفمبر 2015
المترجم: د. عبيدة مؤمن ديرانية

يعتبر الغشي من الحالات الشائعة في المجتمع، ويُعرّف بأنه حالة من فقد الوعي العابر بسبب نقص تروية دماغية معمّمة، ويحصل سريعاً عابراً ويستعيد المريض وعيه بشكل كامل بعد انتهائه. يلعب اختبار السرير المائل دوراً هاماً في تقييم مرضى الغشي، ويعين الطبيب على التفريق بين أسباب الغشي المتعددة وتفريق الغشي عمّا يشابهه من الحالات كالصرع وغيره، كما يفيد في توجيه الطبيب إلى طرق المعالجة الملائمة. رغم ذلك، فإننا نلحظ أن اختبار السرير المائل لا يزال قليل الاستعمال في كثير من المراكز، في الوقت الذي يخضع فيه مريض الغشي لكثير من الاستقصاءات والفحوص التي تزيد التكلفة على المريض ولا تكون في كثير من الأحيان مساعدة على تأكيد التشخيص.

تعريف الغشي وتصنيفه

يشمل فقد الوعي العابر أو ما يسمى الإغماء عدداً من المسبّبات كالغشي، والاختلاجات الصرعية، والأسباب النفسانية وغيرها. إن ما يساعدنا على تمييز الغشي من الأسباب الأخرى المؤدية لفقد الوعي العابر هو الفسيولوجيا المرضية التي تعتمد على نقص تروية الدماغ المؤقتة بسبب تدني مستوى المقاومة الوعائية المحيطية أو انخفاض ناتج القلب العابر.

إن التصنيف الحالي للغشي والذي أقرّته الجمعية الأوروبية لطب القلب هو تصنيف فسيولوجي مرضي، ويفرق بين ثلاثة أسباب رئيسية للغشي:

  1. الغشي الانعكاسي أو المحرَّض عصبياً (المبهمي، والوضعي، وغشي الجيب السباتي، والأنواع غير النمطية)
  2. خفض ضغط الدم الانتصابي (القصور العصبي الذاتي الأولي أو الثانوي، وخفض الضغط المحرض دوائياً، ونضوب حجم الدم)
  3. الغشي القلبي (اللانظميات، وداء القلب البنيوي)

إضافة على ذلك، ومع زيادة القدرة على تشخيص نوبات الغشي العفوية، فقد استجدّ تصنيف حديث لأسباب الغشي بناء على الآلية المستبطنة: غشي مع بطء القلب، وغشي مع تسرّع القلب، وغشي مع تغير طفيف أو عدم تغير نظم القلب (مع انخفاض ضغط الدم).

الوبائيات والإنذار

يعتبر الغشي أو فقد الوعي العابر حدثاً شائعاً مع نسبة حدوث تراكمية لأول حالة غشي تبلغ 10% تحت عمر 80 سنة. إن إنذار الغشي يعتمد بشكل أساسي على وخامة الآلية المسببة أكثر من كونه متعلقاً بالغشي بحد ذاته. تعتبر نسبة خطر الوفاة المفاجئة أو حدوث طارئٍ مهدد للحياة نسبة منخفضة جداً ويعتبر الإنذار ممتازاً بصورة عامة في غياب وجود مرض قلبي بنيوي أو كهربي مستبطن. لكن يبقى هناك احتمال لحدوث تكرر للنوبات وحدوث أذية جسدية مصاحبة في حال استمرار الغشي.

المأتى التشخيصي

هناك عدد من الاختبارات التشخيصية المتنوعة التي تجرى لمرضى فقد الوعي العابر، لكنها جميعاً تهدف للإجابة عن سؤالين محوريّين هما: 1- ما هو إنذار الحالة فيما يخص خطر الوفاة، والأحداث العارضة الخطيرة، ونسبة تواتر النوبات؟، 2- وما هو السبب الرئيسي المحدد لحدوث النوبات وهل هناك خطة علاجية ناجعة لمعالجتها؟.

يشمل التقييم الأولي أخذ القصة المرضية المفصلة وإجراء الفحص السريري وتخطيط كهربية القلب، ثم تصنيف الحالة من ناحية الخطورة وإجراء الاستقصاءات التشخيصية اللازمة. تشمل الاستقصاءات اختبار السرير المائل، وتدليك الجيب السباتي، ومراقبة تخطيط كهربية القلب إما مستشفوياً أو بمرقاب هولتر أو المسجّل الحلقية المزروعة أو المراقبة عن بعد، وإجراء تخطيط صدى القلب، واختبار جهد القلب، ودراسة فسيوكهربية القلب، وقسطرة القلب، والتقييم العصبي الذي يشمل تخطيط كهربية الدماغ والتصوير الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي والاختبارات الوعائية العصبية، والتقييم النفسي.

دور اختبار السرير المائل في تشخيص فقد الوعي العابر

يلعب اختبار السرير المائل دوراً هاماً في إعادة تمثيل حادثة الغشي في بيئة مختبرية. تصل نسبة الاختبارات الموجبة في مرضى الغشي المحرض عصبياً إلى 61-69% مع نوعيّة تشخيصية مرتفعة تصل إلى 92-94%. يقوم النموذج الأشيع على إمالة السرير بدرجة 70، والانتظار في الطول المنفعل حتى 20 دقيقة، وتطبيق النتروغليسرين تحت اللساني بجرعة 300-400 مكغم في الدقيقة العشرين، ثم الانتظار 20 دقيقة أخرى في وضعية الانتصاب.

إن أشيع استطباب لاختبار السرير المائل هو تأكيد تشخيص الغشي الانعكاسي في المرضى الذين لم يمكن الوصول إلى التشخيص لديهم بصورة مؤكدة من خلال التقييم الأولي. والأمثلة على ذلك هي الحالات التي تصاب بالغشي غير المفسّر مرة وحيدة مع وجود اختطار، أو تكرر نوبات الغشي مع نفي وجود مسبب قلبي. كما يفيد إجرائه سريرياً أيضاً لإظهار تأهب المريض للإصابة بالغشي الانعكاسي.

من الاستطبابات الأخرى لإجراء الاختبار: التفريق بين الغشي الانعكاسي وانخفاض ضغط الدم الانتصابي أو السقوط، والتفريق بين فقد الوعي العابر المصحوب بالانتفاضات وبين الصرع الاختلاجي الصريح، وفي المرضى المصابين بنوبات متكررة يحتمل كونها ذات منشأ نفساني.

بناء على تحريض الغشي والاستجابات القلبية والوعائية يمكن تصنيف الاستجابات المختلفة لاختبار السرير المائل إلى ما هو موضح في الجدول التالي.

جدول 1. الاستجابات المختلفة لاختبار السرير المائل

الاستجابة / التشخيصالمؤشرات
الغشي المثبّط للأوعيةانخفاض ضغط الدم إلى أقل من 60 ملم زئبقي عدم تباطؤ القلب بأكثر من 10% من القيمة الذروية
الغشي المثبّط للقلب، غير المصحوب بتوقف القلبتباطؤ سرعة القلب إلى أقل من 40 ضربة/دقيقة لأكثر من 10 ثوانٍ دون حدوث توقف في الانقباض يحدث انخفاض ضغط الدم قبل تباطؤ سرعة القلب
الغشي المثبّط للقلب، المصحوب بتوقف القلبيحدث توقف الانقباض لأكثر من 3 ثوانٍ يكون التباطؤ في سرعة القلب مصاحباً أو سابقاً لانخفاض ضغط الدم
الغشي المختلطتباطؤ سرعة القلب لكن دون وصولها إلى أقل من 40 ضربة/دقيقة، أو مع وصولها إلى أقل من 40 ضربة/دقيقة لأقل من 10 ثوانٍ مع أو دون حدوث توقف في الانقباض لأقل من 3 ثوانٍ يحدث انخفاض ضغط الدم قبل تباطؤ سرعة القلب
انخفاض ضغط الدم الانتصابي البدئيينخفض ضغط الدم أكثر من 40 ملم زئبقي عند اتخاذ وضعية الوقوف مع عودة سريعة وكاملة إلى القيمة الطبيعية، بحيث لا تستمر الأعراض أو انخفاض ضغط الدم لأكثر من 30 ثانية
انخفاض ضغط الدم الانتصابي التقليديانخفاض ضغط الدم الانقباضي بأكثر من 20 ملم زئبقي والانبساطي بأكثر من 10 ملم زئبقي خلال الدقائق الثلاثة الأولى بعد وضعية الوقوف
انخفاض ضغط الدم الانتصابي اللاحق (المترقي)انخفاض بطيء ومترقٍّ في ضغط الدم الانقباضي بعد الدقيقة الثالثة من اتخاذ وضعية الوقوف
متلازمة تسرع القلب الانتصابي الوضعيزيادة سرعة القلب بأكثر من 30 ضربة/دقيقة أو وصولها إلى أكثر من 120 ضربة/دقيقة بعد الوقوف، مع أعراض مصاحبة وتفاوت في قيم ضغط الدم
نتيجة الاختبار سلبيةلا يتحقق أي غشي أو انخفاض ضغط انتصابي أو تسرع قلب انتصابي

عند مقارنة اختبار السرير المائل بالاستقصاءات الأخرى فإننا نجد أنه يحمل القيمة التشخيصية الأعلى عند وجود نتيجة موجبة للاختبار، حيث ينجح في تأكيد التشخيص في أكثر من 50% من الحالات.

دور اختبار السرير المائل في تدبير المرضى

لقد أثيرت عدة نقاط حول المنافع التشخيصية لاختبار السرير المائل، وحول ما إذا كانت موجبية الاختبار توحي بوجود تأهب لانخفاض الضغط أكثر من كونها مشخصة بشكل حاسم للغشي الانعكاسي. على كل حال، لقد أثبت هذا الاختبار أنه عند إجراءه حسب توصيات الجمعية الأوروبية لطب القلب فإنه يتمتع بعائد تشخيصي مرتفع، متفوقاً على معظم الاستقصاءات الأخرى التي تجرى في حالة الغشي.

إن حدوث وتكرر حالات فقد الوعي العابر قد تحمل تأثيراً كبيراً على عافية المرضى وسلامة المجتمع. إن معظم الاستقصاءات التي تُجرى في هذه الأحوال تقوم بها مراكز صحية غير متخصصة في التعامل مع أشباه هذه الحالات، ولا تؤدي غالباً إلى أي نتائج تشخيصية محققة. من الشائع جداً إحالة مثل هذه الحالات إلى طبيب الأعصاب حيث تخضع لاختبارات مفصّلة لنفي وجود الصرع، مما قد يعمّق شعور القلق وخيبة الأمل لدى المصابين. إن هذه الاختبارات غالباً لا تشكل إضافة تشخيصية معتبرة إذا ما قورنت باختبار السرير المائل. إن حقيقة كون اختبار السرير المائل اختباراً بسيطاً وغير باضع وقادراً على تأكيد تشخيص أشيع سبب للغشي -وهو الغشي الانعكاسي- تجعل منه اختباراً مثالياً لمثل هذه الحالات.

إن نمط الاستجابة لاختبار السرير المائل يساعد في رسم خطة المعالجة. فمثلاً المرضى المصابون بالغشي المثبط للأوعية والغشي المختلط بالإضافة إلى المصابين بانخفاض ضغط الدم الانتصابي يحتاجون إلى الطمأنة حول الطبيعة الحميدة للحالة. إن التثقيف يلعب دوراً هاماً في هذا الصدد حيث ينصح المرضى بتجنب العوامل المؤهبة، وزيادة تناول السوائل، وممارسة الرياضات البدنية الرافعة للضغط، والتدرب على الإمالة.

إن التدبير الأمثل للمرضى المصابين بالغشي المثبط للقلب المصحوب بتوقف القلب قد بقي مثار جدل كبير، خاصة حول ما إذا كان الإنظام (نظم القلب المحرّض عبر ناظمة) سيخفف من حدوث نوبات الغشي. لقد أسفرت عدة أبحاث سريرية محكّمة عن نتائج متضاربة حول هذا الأمر. على سبيل المثال، أظهرت الدراسة العالمية حول الغشي المجهول السبب (ISSUE-2) انخفاضاً معتبراً في تواتر الغشي عند إنظام القلب في المرضى الذين لديهم توقف قلب موثّق أثناء الغشي العفوي (والذي تم تسجيله عبر المسجّل الحلقي المزروع). من الجدير بالذكر أن هذه الدراسة كانت تجربة سريرية غير معشّاة، لكن نتائجها قد أُكّدت لاحقاً عبر دراسة معشّاة حملت الاسم ISSUE-3.

لا تزال مسألة الإنظام القلبي لمرضى الغشي الذين تم توثيق حدوث توقف الانقباض لديهم أثناء الغشي عبر اختبار السرير المائل أمراً غير محسوم. إن قرار زرع الناظمة القلبية هو إجراء باضع ينبغي تناوله في السياق السريري لحالة الغشي الحميدة (من ناحية نسبة الوفيات) التي تصيب كثيراً من اليافعين والأطفال. إن تجربتي الشخصية (التي شملت مرضى الأطفال أيضاً) تجعلني أنظر إلى زرع الناظمة القلبية كحل أخير فقط في حالات توقف الانقباض أثناء الغشي المحرّض باختبار السرير المائل، وفي حالات توقف الانقباض المديد الذي يستمر لأكثر من 6 ثوانٍ.

رابط المقال:

,Role of tilt-table testing in syncope diagnosis and management
An article from the e-Journal of Cardiology Practice
https://www.escardio.org/Journals/E-Journal-of-Cardiology-Practice/Volume-13/role-of-tilt-table-testing-in-syncope-diagnosis-and-management

عبيدة مؤمن ديرانية

طبيب قلب أطفال تخصص أمراض كهربائية القلب، مركز الملك عبد العزيز لطب وجراحة القلب، الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني، الرياض.