الاسْتخْـدَام المُلائِـم للمُضَادَات الحَيَـويَـة
يُمكن للمضادات الحيوية أن تعالج الأمراض التي تسببها البكتيريا فقط. ومع ذلك، هناك اعتقاد خاطئ شائع بأنها تُعالج الحالات الفيروسية أيضًا، مثل نزلات البرد والتهاب القصبات (الشُعَب) الهوائية والإنفلونزا. أدى هذا التثقيف الخاطئ للجمهور المُحيط باستخدام المضادات الحيوية، بالإضافة إلى الوصف غير الملائم من الأطباء، إلى زيادة المقاومة للمضادات الحيوية لدى الأشخاص، مما يهدد بتقليل فعالية المضادات الحيوية، وبالتالي احتمالية كونها غير فعالة ضد العدوى الشائعة، ومن ثَمَّ تغدو الحالة هذه أكثر خطورة على الصحة العامة.
تعرف منظمة الصحة العالمية (WHO) الاستخدام المناسب لمضادات الميكروبات على أنه ” الاستخدام الفعال من حيث التكلفة لمضادات الميكروبات التي تزيد من التأثير العلاجي السريري مع تقليل السُّمية المرتبطة بالعقاقير وتطوير المقاومة لمضادات الميكروبات”. تعد مراقبة الاستخدام المُلائم للمضادات الحيوية أمرًا حيويًا لمواجهة خطر مقاومة المضادات الحيوية، والتي تعتبر واحدة من أكثر التهديدات إلحاحًا على الصحة العالمية.
زيادة مقاومة للمضادات الحيوية
تُهدِّد زيادة المقاومة للمضادات الحيوية الصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية. تؤثر المقاومة للمضادات الحيوية على جميع مناطق العالم والسكان. ففي حين تبدو أنها عملية تحدث بشكل طبيعي، فإن الاستخدام غير المناسب للمضادات الحيوية يُسَّرِع العملية، مما يؤدي إلى تقليل فعالية المضادات الحيوية، ويتسبب ذلك في أن تصبح العدوى الشائعة أكثر خطورة واستمرارية.
لقد تأثرت العديد من أنواع العدوى، على وجه الخصوص وبشكلٍ كبيرٍ من الاستخدام غير السليم للمضادات الحيوية، بما في ذلك السيلان والالتهاب الرئوي وداء السلمونيلات. ونتيجة لذلك، فإن المرضى يقيمون في المستشفى، وتتزايد التكاليف الطبية والوفيات.
تزداد مقاومة المضادات الحيوية بسرعة خاصة في بعض المناطق العالمية، مع ظهور آليات المقاومة وانتشارها بسرعة بين السكان. إن التهديد الذي يُحيط بصحة الإنسان حقيقي للغاية، وتدعو وكالات الصحة العالمية إلى تطبيق الاستخدام المناسب للمضادات الحيوية لتقليل السرعة التي تتزايد بها المقاومة للمضادات الحيوية. وهنا، نناقش الاستخدام الصحيح للمضادات الحيوية التي يجب أن يتبعها الأطباء والمرضى.
الاستخدام المُلائم للمضادات الحيوية
تظهر كمية متزايدة من الأدلة التي تكشف عن مدى الاستخدام غير السليم للمضادات الحيوية في علاج مجموعة واسعة من الأمراض. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن أكثر من نصف المضادات الحيوية الموصوفة ليست ضرورية، مما يدل على انتشار وصف المضادات الحيوية بشكل غير لائق من قبل الأطباء.
من الأمثلة على الحالات التي يفشل فيها الأطباء في وصف المضادات الحيوية بشكل صحيح من حيث العلاج، فيما يتعلق بالعدوى. ففي بعض حالات العدوى، قد تكون البكتيريا أو الفيروسات مسؤولة عن إحداث تلك العدوى، لذلك يجب على الأطباء التعرف على كيفية تحديد السبب الأساسي لتجنب وصف المضادات الحيوية لحالة عدوى فيروسية، والتي تحدث في ما يقدر بنحو 80-50% من المرضى الذين من المحتمل أن يكونوا مصابين بعدوى فيروسية بدلاً من العدوى البكتيرية.
يُعَّد التهاب البلعوم أحد أكثر الحالات التي تُوصَف الأدوية فيها بشكل خاطئ، حيث يتم وصف المضادات الحيوية في أكثر من 80٪ من الحالات التي يَثْبُت فيها أنَّ المسببات فيروسية. مثال آخر هو علاج التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال، حيث يتم وصف المضادات الحيوية غالبًا، حتى عندما لا تفوق الفوائد مساوئ التأثيرات الضارة الشائعة.
يوصي العلماء بأن هناك حاجة إلى مزيد من التركيز على توخي الأطباء الحذر الواجب للتأكد من أنهم يصفون المضادات الحيوية فقط عند الحاجة، ولا سيما عدم وصفها للحالات التي من المحتمل أن تسببها الفيروسات. بالإضافة إلى ذلك، التشديد على أنَّ هناك حاجة لتثقيف الجمهور بشأن الاستخدام المُلائم للمضادات الحيوية، لمنعهم من طلب وصفات طبية تشمل المضادات الحيوية عندما لا تكون ضرورية.
هناك العديد من السيناريوهات الشائعة عندما يتم وصف المضادات الحيوية دون داعٍ، إذا كان من الممكن تنبيه الجمهور والأطباء لهذه الاستخدامات غير الملائمة الشائعة، فقد يحد ذلك من مدى الاستخدام غير المناسب ويساعد على كبح جماح المُعدلات المُتسارعة للمقاومة للمضادات الحيوية. تشمل هذه الاستخدامات الشائعة غير الملائمة وصف المضادات الحيوية للحمى في حالة عدم وجود أعراض العدوى، والالتهابات البكتيرية، والتي عادةً ما تكون ذاتية الشفاء (أمراض الإسهال، على سبيل المثال)، والبِيلَة الجُرثومية (وجود بكتيريا في الدم) عديمة الأعراض (باستثناء النساء الحوامل)، واستعمار عديم الأعراض لتقرحات وقروح وجروح الجلد.
يُطلب أيضًا استخدام المضادات الحيوية بشكل شائع لمعالجة الأمراض التي تسببها الفيروسات بدلاً من البكتيريا مثل نزلات البرد والتهاب الحلق (باستثناء التهاب الحلق العُقَدي) والإنفلونزا والعديد من حالات نزلات البرد التي تُصيب الصدر. بالإضافة إلى ذلك، لا تتطلب بعض أنواع العدوى البكتيرية الشائعة عادةً استخدام مضادات حيوية على الرغم من وصفها لها غالبًا، مثل التهابات الجيوب الأنفية وبعض التهابات الأذن. وكقاعدة عامة، يجب وصف المضادات الحيوية فقط لعلاج بعض أنواع العدوى البكتيرية، مثل التهاب الحلق العُقَدي والسُعال الديكي والتهابات المسالك البولية (UTIs)، من بين أمور أخرى.
المُضي قُدُمًـا نحو منع حُدوث المقاومة للمضادات الحيوية
هناك حاجة مُلِّحَة لفرض الاستخدام السليم للمضادات الحيوية لمُكافحة الحدوث المُتسارع للمقاومة للمضادات الحيوية بين السكان. يمكن للأفراد دعم هذه الجهود من خلال استخدام المضادات الحيوية فقط حسب الوصفات الطبية وعدم طلب استخدام المضادات الحيوية إذا رأى الطبيب أنها غير ضرورية. كما يمكن لواضعي السياسات المساعدة من خلال الشروع في صياغة استراتيجيات وطنية لمُواجهة المقاومة للمضادات الحيوية، وكذلك تعزيز (ترصُّد) مراقبة العدوى المقاومة للمضادات الحيوية وتعزيز الاستخدام المناسب للمضادات الحيوية.
وأخيرًا، يقع على عاتق المتخصصين في الرعاية الصحية واجب وصف المضادات الحيوية عند الضرورة فقط، وتثقيف المرضى حول كيفية تناول المضادات الحيوية بشكل صحيح، وتشجيع المرضى على الانخراط في السلوكيات التي تمنع العدوى، مثل غسل اليدين السليم، والالتزام بمواعيد التطعيمات، وممارسة الجنس الآمن.
* آخر تحديث للمقال الأصلي: 2021/5/25
** رابط المقال الأصلي: https://www.news-medical.net/health/Appropriate-Use-of-Antibiotics.aspx
خريج كلية الصيدلة – جامعة الأزهر/ غزة سنة 2006، مارس العمل في عدة صيدليات خاصة، ثم اتجه إلى ممارسة الترجمة الطبية والعلمية، تعاون مع عدة مراكز ودور نشر وشركات للترجمة.