هل سينهي اللقاح هذا الوباء؟ يجب الإجابة على هذا التساؤل أولاً.
تستطيع لقاحات الكوفيد أن تمنع الأعراض، لكن لا أحد يعلم ما إذا كان بإمكانها القضاء على الفيروس.
بواسطة آموس زيبرج 30 ديسمبر 2020.
أعلنت إندونيسيا في أوائل ديسمبر عن خطة استثنائية لتطعيم سكانها ضد الكوفيد-19. حيث أنه بدلاً من إعطاء اللقاحات للفئات المعرضة للخطر مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية وكبار السن – مثلما أصدرت الدول الأخرى خطة التطعيم – ستعطي إندونيسيا اللقاحات للبالغين الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 59 عامًا.
تهدف الخطة إلى إنهاء تفشي المرض في إندونيسيا من خلال استهداف الأشخاص غير المعرضين للخطر وليس الأشخاص ناقلي الفيروس على نحو غير تناسبي أي محاور الشبكة الاجتماعية للبلاد. قال أمين سويباندريو عالم الأحياء ومدير معهد إيجكمان للبيولوجيا الجزيئية في جاكرتا إندونيسيا: “هدفنا هو مناعة القطيع“.
لكن المشكلة الرئيسية في الخطة الإندونيسية: لا أحد يعرف إذا ما كانت الموجة الأولى من لقاحات كوفيد الناجحة ستؤدي إلى مناعة القطيع؟ أظهرت التجارب أن اللقاحات يمكن أن تمنع ظهور الأعراض المرضية على الأشخاص، ولكنها لاتمنع الإصابة بالفيروس ونقله.
بعض الباحثين يقولون إنه لابد من تحديد المسار طويل الأمد للوباء، ليس فقط في إندونيسيا ولكن في جميع أنحاء العالم. على الرغم من الافتراض غير المعلن في كثير من الأحيان بأن اللقاحات ستعيدنا إلى الحياة العادية نوعا ما – لم يتضح بعد ما إذا كانت اللقاحات ستتمتع بهذه القوة.
تُعرف اللقاحات أنها أحد أكثر أدوات الطب نفعًا، إلا أن وظيفتها أكثر تعقيدًا مما يدركه الناس غالبًا. قد تكون اللقاحات -في أفضل حالاتها- بمثابة مطارق ثقيلة تسحق مسببات الأمراض. في السابق لقاحات الجدري وشلل الأطفال على سبيل المثال قضت على تلك الأمراض تمامًا، وقريبًا قد تقضي اللقاحات على الوباء الحالي تمامًا. كان أحد مقومات نجاح اللقاحات السابقة أنها توفر مناعة معقمة – أي أن المتلقي لا يصاب بالفيروسات التي تسبب الأمراض ولا ينقلها. عندما يتم تحصين نسبة كبيرة بما يكفي من السكان، نصل إلى مناعة القطيع حيث لا يستطيع العامل الممرض العثور على مضيفات جديدة كافية لمواصلة التكاثر، ويتلاشى تفشي المرض.
لكن الجدري وشلل الطفال ليسوا قاعدة. في كثير من الأحيان، لا تحمي اللقاحات المتلقين تمامًا من الإصابة بالعدوى ونقل العامل الممرض. في حالة الإنفلونزا على سبيل المثال، يمكن للفيروس أن يغزو خلايا بعض متلقي اللقاح، ويتكاثر داخلها دون التسبب في أي أعراض، ثم يستمر في إصابة الأشخاص الآخرين الذين يمكن أن يمرضوا أو يموتوا. بدلاً من قطع سلاسل الانتقال، يمكن للأفراد المطعمين أن يكونوا بمثابة روابط في السلسلة، حيث ينقلون العامل الممرض إلى مضيفين ضعفاء لم يحصلوا على التطعيم. هذا السيناريو شائع بين أمراض الجهاز التنفسي مثل الكوفيد، لأنه من السهل على العوامل الممرضة غزو الجهاز التنفسي والتكاثر هناك قبل إثارة استجابة مناعية كبيرة.
إذا لم تحقق اللقاحات مناعة معقمة، يقول الخبراء إنه من المحتمل أن يستمر الفيروس في الانتشار ولن نرى نهاية مفاجئة للوباء، حتى يصبح لدى الغالبية العظمى من الناس إمكانية الوصول إلى اللقاح والموافقة على تناوله. بدلاً من ذلك، من المحتمل أن يكون هناك تخفيف تدريجي للقيود مع تباطؤ انتقال العدوى، بالإضافة إلى ذلك نستطيع حماية المزيد من الأشخاص المعرضين للخطر بالتطعيم، وذلك لأننا نفهم مخاطر المرض ونتحكم فيها بشكل أفضل. يقول دوبرومير ديميتروف كبير العلماء في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل: “من الصعب تحديد مدى السرعة المتوقعة للعودة إلى الحياة الطبيعية. ومن المرجح أيضًا أن تختلف من بلد إلى آخر، وحتى من منطقة إلى أخرى. بطريقة أخرى، سيكون الوضع طبيعيًا ولكن بشكل جديد”. يتفق الباحثون على أن ارتداء الأقنعة والحفاظ على مستوى معين من التباعد الاجتماعي يجب أن يستمر لبعض الوقت.
لا يوجد ضمان لعودة الوضع الطبيعي
ستكون العودة إلى الأنشطة الاجتماعية غير المقيدة التي اعتدنا القيام بها بشكل روتيني في “الأزمنة السابقة” لعام 2019 عملية صعبة ومبهمة – وستعتمد ديناميكياتها بشكل كبير على مدى نجاح اللقاحات في منع انتقال العدوى.
يقول لاري كوري عالم الفيروسات في فريد هاتش: “أعتقد بصدق أن هذا هو السؤال الأكثر أهمية، والذي يؤثر كثيرًا على الحياة اليومية”. قدم كوري مثالاً لتوضيح المآزق التي سنواجهها العام المقبل: حفلة مكتبية للاحتفال بترقية أحد الزملاء. معظم الأشخاص مطعمين، لكن شخصًا ما في المكتب يعيش مع قريب مسن يعاني من حالة صحية جدية موجودة مسبقًا. قد تكون المخاطر المحتملة على الأقارب مختلفة تمامًا إذا كان لدينا لقاح يمنع 50 في المائة من العدوى عما إذا كان لدينا لقاح يمنع 90 في المائة. هل يمكنك إقامة هذه الحفلة دون الشعور بالذنب؟ كيف ستحسم قرارك؟ يتساءل كوري “هذه هي القرارات اليومية التي سيكون علينا اتخاذها. هذا قد يؤثر على سلوك الناس وسلوك المجتمعات”.
نشر ديميتروف والعديد من الباحثين الآخرين في مجال الأمراض المعدية مؤخرًا دراسة سبق نشرها باستخدام نموذج لتقدير الآثار الصحية المحتملة لأنواع مختلفة من اللقاحات. ووجدوا أن اللقاح الذي يمنع 90 في المائة من الأعراض المرضية ومعظم العدوى، يمكن أن يقلل بسهولة نوعًا ما الحالات والوفيات بنسبة 50 في المائة في عام 2021، مع انتشار اللقاح. ووجدوا أن اللقاح الذي يمنع 90 في المائة من المرض ولكنه لا يمنع انتشار العدوى يتطلب تطعيم ضعف عدد الأشخاص لتوفير نفس الفوائد الصحية.
تقليل الأعراض أم منع انتقال العدوى؟
إذن، هل ستتصدى لقاحات الكوفيد الفعلية للفيروس نفسه؟ تبحث جميع التجارب التي نُشرت حتى الآن في كيفية منع اللقاحات للحالات المصحوبة بأعراض، ولكن لدينا بعض الإشارات إلى أنها قد تقلل من الحالات التي لا تظهر عليها أعراض أيضًا. أعلنت شركة Moderna ، التي مُنح لقاحها القائم على الرَنا المرسال (mRNA) تصريحًا طارئًا من قِبل إدارة الأغذية والأدوية، مؤخرًا بعض البيانات ذات الصلة من تجربتها في المرحلة الثالثة. يتضمن لقاح الشركة حقنتين تفصل بينهما أربعة أسابيع. عندما عاد المشاركون لتناول الحقنة الثانية، ثبتت إصابة 38 شخصًا بالفيروس في مجموعة العلاج التمويهي؛ بينما مجموعة اللقاح أصيب 14 شخصًا فقط، مما يشير إلى انخفاض العدوى بمقدار الثلثين. أعلنت شركة AstraZeneca التي قد يكون لقاحها له تأثير عالمي أكبر من لقاح الرنا المرسال المنتج من Moderna وPfizer، نظرًا لأنه يمكن تخزينه في ثلاجة عادية ويجب أن يكون تكلفته حوالي 4 دولارات فقط، أن اللقاح يقلل من العدوى، لكن الشركة لم تنشر أيًا من بياناته.
يقول كوري إن أفضل طريقة لفهم اللقاحات هي إجراء تجربة حيث يتابع الباحثون المشاركين عن كثب وذلك لمراقبة الديناميكيات الفيروسية لكل شخص يصاب بالعدوى. “يتعين عليك تطعيم الناس وأخذ مسحاتهم بشكل أساسي كل يوم واختبار العينات كل يوم. قد ينتهي الأمر حتى تصبح مليون عينة “، على حد قوله. كما أنه يأمل في الحصول على تمويل لإجراء مثل هذه الدراسة في الحرم الجامعي في فصل الربيع. كما يقول كوري بدون دراسة من هذا القبيل، قد يمكننا استخلاص معلومات مماثلة من خلال مراقبة معدلات العدوى في المجموعات الملقحة على المدى الطويل، “لكن هل تريد حقًا الانتظار حتى عام 2022 للإجابة على هذا؟”
في غضون ذلك، يواصل الباحثون العمل على عشرات اللقاحات الأخرى المرشحة التي قد تكون أرخص وأكثر فعالية ضد العدوى، أو متفوقة بطريقة أخرى على الموجة الأولى من اللقاحات. يساعد بول جريفين خبير الأمراض المعدية في جامعة كوينزلاند، في إجراء تجارب على أربعة لقاحات، بما في ذلك مرشح مثير للاهتمام من شركة Symvivo يأتي على هيئة كبسولة يمكن تخزينها في درجة حرارة الغرفة وتؤخذ بسهولة عن طريق الفم. يقول غريفين: “من المحتمل جدًا ألا نجد لقاحًا مثاليًا على الإطلاق. لديهم جميعًا نقاط قوة ونقاط ضعف.”
مترجم عن:
صيدلانية خريجة كلية الصيدلة جامعة المنصورة-مصر 2009، حاصلة على البورد الأمريكي في العلاج الدوائي.
