الوقت المقدر للقراءة 4 دقيقة

لغتنا هويتنا ٢

لغتنا هويتنا ٢
عدد كلمات المقال: 1,049 كلمة

في الفترة الأخيرة بدأ يظهر بشكل واضح إحلال اللغات الأجنبية (إنكليزية كانت أو غير ذلك ) محل اللغة العربية في التعاملات اليومية بشكل عام أو في المجال التعليمي بشكل خاص، وتبع هذه الظاهرة مظاهر عديدة من الانحلال اللغوي، والنفسي ، والانتمائي، والإنتاجي.

ولكن هل يمثل هذا الأمر أي ضرر علينا كعرب ؟!..

أجل بالطبع فهذا بدوره يقتل هويتنا التي تكمن في كوننا عربا ،فلسنا أوروبيون أو انجليزيون ولحل هذه المشكلة

سوف نتحدث عن عدة أفكار لعلاج هذه المشكلة

ففي هذه المقالة سوف نتحدث عن الفكرة الثانية و سنخصص لكل تساؤل مقالاً خاصا به …..

1-ما هو قدر اللغة العربية في عالمنا الحالي ؟

2-ما هو المطلوب عمله لإعادة سطوة اللغة العربية علي مجال التعاملات اليومية بشكل عام و التعليم بشكل خاص؟

3-ما هي المشاكل التي قد تعرض في حالة تطبيق هذه الفكرة؟

4-ما هو التطبيق العملي لهذه الفكرة؟


هذا هو المقال الثاني من سلسلة لغتنا هويتنا والتي نتمنى أن تنال إعجابكم والآن موعدنا مع الفكرة الثانية وهي

ما هو المطلوب عمله لإعادة سطوة اللغة العربية علي مجال التعاملات اليومية بشكل عام والتعليم بشكل خاص؟

نريد أن نطرح تساؤلا أولا وهو ما الذي كانت عليه لغة تعاملاتنا اليومية قبل هذا الخلل ؟

هل كنا نحدث بالعربية طوال الوقت ؟ فهل يتخيل أحدهم أن الزوج وزوجه حينما يفضي بعضهما إلى الآخر فهما يتحدثان بالعربية الفصيحة فهل يقول لها مثلا ( ولقد ذكرتك و الرماح نواهلٌ مني وبيضُ الهند تقطر من دمي يا زينب )

هذا من سابع بل تاسع المستحيلات …

فكما ذكرنا سابقا ، أن جمال العربية يتمثل في وجود العامية ،فلا يعتقد أحدهم أنه من الصحيح أن يتحدث الناس بالعربية الفصيحة طوال الوقت فهذا بعيدا عن كونه صعبا ، فهذا لا يتوقع حدوثه في عصرنا الحالي ولا في عصور السلف.

فكما ذكر الدكتور محمد بن علي العمري في دورته (مدخل الي اللغة العربية ) أنه لا يمكن أن تكون لغة الصحابي التي يتحدثها عند رسول الله ﷺ ، وأمام الوفود هي هي لغته مع أولاده وزوجه .

فمن يظن أنه لكي نستعيد هويتنا كعرب علينا أن نتحدث الفصحي ونقيم الحد علي من يتحدث بالعامية فذلك خطأ كبير فهي لغة يسيرة في قواعدهها، سهلة في أدائها، ممتعة بالنسبة لأهلها ومميزة لهم فمثلا تجد المصريين يتميزون بلهجتهم الخفيفة المحببة لكل العرب ، وكذلك أهل المغرب وإخوانهم الجزائرين والتونسيين هذا في القارة السمراء. أما في آسيا فتجد أن أغلب دول الخليج لهجتهم أقرب ما تكون إلي العربية ولكنها تظل عامية.

وللعلم هذه اللغة العامية هي وليدة اللغة العربية فهناك كتاب جميل جدا للدكتور يوسف المغربي يشرح أن مصطلحات العامية المصرية بالتحديد مشتقه من العربية الفصيحة وهو كتاب ( دفع الإصر عن كلام أهل مصر ).

فلنا أن نعلم أن العامية لا بد منها في حياتنا اليومية، ولكنها لا تصلح لأن تكون لغة علم ، ولك أن تتخيل أنه علي مر التاريخ قد أثيرت دعوات كثيرة لنقل العلوم من العربية الفصيحة إلى العامية، وذلك لم يكن إلا الخطوة الأولى لنقل العلوم إلى اللغات الأجنبية .

وهذا ما ذكرته دكتورة نفوسه زكريا سعد في كتابها ( تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر )

هذا بالنسبة للغة التعاملات اليومية


أما بالنسبة للتعليم فهذا يحتاج منا إلى مراجعة أحداث التاريخ قليلا….

منذا متي ونحن في الوطن العربي ندرس باللغة الإنجليزية في مصر؟

نحن ندرس بالانجليزية بالضبط منذ عام 1898 في هذا العام قام الاحتلال البريطاني بمنع التدريس باللغة العربية ، و كانت اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للتعليم العالي في جمهورية مصر العربية.

واستمر الوضع هكذا حتي عام 1924 حين بدأت دعوات التعريب تعود من جديد فقاموا بتعريب الحقوق والزراعة والتجارة وتركوا الطب والهندسة ..

سوف نترك هذه الحقبة ونعود إلى زماننا الحالي في كليات الطب والصيدلة والهندسة بالتحديد….

فنجد أننا ندرس علوما مصطلحاتها باللاتينية، ويحيطها كلام بالإنجليزية ، والمحُاضر يشرح بالعامية المصرية …

ما هذا العبث ؟!….

هل هذا يصلح لإنتاج أطباء أو مهندسين أو حتى عمال نظافة؟؟؟

كيف لك أن تستوعب معلومة بهذه العشوائية ؟!.. أرجو منك أن تقنعني وأنا سأحاول تَقْبُل كلامك.

هذا هراء يا عزيزي ، قطعا لن تستوعب علما إلا اذا كان بلغتك الأم .

وهنا استشكال يعرض للبعض ،فتجده يقول أنا أستوعب العلوم كلها وذلك عن طريق تحصيل الامتيازات في مرحلة الدراسة .

من وجهة نظري : هذا لا يدل على استيعابك للمعلومة بشكل صحيح فأغلب المعلومات التي لديك بها ما بها من التشويه .

واذا افترضنا أنك قد استوعبت المعلومة بشكل صحيح ، فأين هو انتاجك في العلم ؟

بالمناسبة كنت قد سألت هذا السؤال لأحد المقتنعين بأن الدراسة بالإنجليزية أكثر إفادة من الدراسة بالعربية .

وقد وجهت له سؤالا آخر وهو هلا تذكر لي عدد العلماء العرب الحاصلين علي جائزة نوبل في العلوم التطبيقية؟

ولم أسمع منه إنجازا يذكر…..

الإجابة يا عزيزي أن الحاصلين علي نوبل من العرب أربعة ومنهم إثنين ليسوا عربا أصل بل لهم أصول عربية …….

هذا في حد ذاته دليل علي ان التدريس بغير العربية مهلكة.

ولنا في هذا أسوة حسنة ، فمثلا تجد أنك كان لديك نموذج دكتور علي مصطفى مشرفة الذي يعد قدوتنا في هذه الفكرة حيث أن دكتور مشرفة كان نموذج حيا للإبداع ، حيث أنه كان ملهما لإينشتاين “كما ذكر” حيث أنه كان يراسله وكانا يتناقشان سويا حول نظريات اينشتاين ، وكان دكتور مشرفة أيضا يضع النظريات والقوانين حتى أن أينشتاين قال عن موت دكتور مشرفة“لا أصدق أن مشرفة قد مات، إنه مازال حيا بيننا من خلال أبحاثه”

الملفت للانتباه أن دكتور مشرفة كان يدّرس النسبية الخاصة والعامية باللغة العربية لطلاب الثانوية العامة المصريين في حين أنها كانت في بوادر ظهورها علي يد العالم الألماني ألبرت إينشتاين وذلك بمساعدة دكتور مشرفة .

لم يتحجج الناس حينها أن لغة العلم هي الألمانية أو أن اللغة العربية غير قادرة علي الإحاطة بمصطلحات العلم .

كل هذا كان يتم لأن العلماء و أصحاب القرار في مصر كانوا مقتنعين أن العلم لا يكون علما إلا اذا كان يدرس بلغة المحل ، وكان ذلك سببا في إحداث طفرة حكم عليها بالموت فيما بعد …

فنحن من هنا نوجه رسالة لأساتذتنا وعلمائنا رجاءا ساعدونا أن نستوعب العلم ، نرجوا منكم أن تكونوا دليلنا في هذا الطريق وأن تدرسونا باللغة العربية ، فأنتم من تفهمون العلم علي أكفئ وجه فنطلب منكم مصطلحات عربية ونحن سنقوم بترجمة أمهات الكتب .

فإنه لمن العيب أن نسأل أستاذا لنا عن معنى الكلمة التي يرددها طوال المحاضرة ويجاوب: لا أدري لها من معنى في العربية ( مش عارف اسمها اي بالعربي ) .

فقد علمنا أن التعليم لا يكون إلا بلغتنا الأم وإن كان غير هذا فلن نستوعب المادة كما ينبغي .

إلى هنا نكون قد انتهينا من الكلام عن سطوة اللغة العربية علي مجال التعليم جزئيا.

يتبع….

زياد مراد